دخل ابن السماك على أبي جعفر المنصور فجلس ، فأخذ ذباب يطير ، ثم يقع على أنف أبي جعفر ، حتى أضجره ، فقال أبو جعفر لابن السماك متهكماً : لماذا خلق الله الذباب ؟
فقال ابن السماك : ليذل به أنوف الطغاة .
فهل سمعت أحسن من هذا الجواب جواباً ؟ !
* ولما فتح عبد الله بن علي العباسي دمشق ، أعمل في أهلها قتلاً ذريعاً ، وأسأل الدماء ، ونهب الأموال ، فقال لوزرائه ، وحاشيته : هل يخالفني أحد ؟ قالوا : إلا أن يكون الإمام الأوزاعي ، فأرسل للأوزاعي الإمام فلبس الأوزاعي أكفانه تحت ثيابه ، بعد أن أغتسل وأيقن بالموت ، وأخذ عصاه فدخل على عبد الله بن علي العباسي السلطان .
فإذا بالحراس يحملون السيوف ، وإذا بالموت يدور على رؤوس الناس .
فقال عبد الله بن علي للأوزاعي : ما رأيك في هذه الدماء التي سفكناها ؟ فقال الأوزاعي في ثباتة جأشٍ ، وفي جنان : حدثنا فلان ، عن فلان ، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال :
( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بثلاث ، المفارق للجماعة ) أخرجه البخاري
فغضب عبد الله بن علي ، ونكت بعصا خيزران في الأرض ، وقام عرق في جبهته .
قال الأوزاعي : وأيقنت بالقتل ، فو الذي نفسي بيده ، لكأنه ذباب أمام عيني .
فأخذ وزراؤه ، يرفعون ثيابهم ؛ خشية أن يصيبهم دم الأوزاعي .
فسأله عن الأموال ، التي أخذها ، قال : إن كانت حلالاً فحساب ، وإن كانت حراماً فعقاب .
قال : اخرج ، فلما هم أن ينصرف أعطاه بذرة من المال ( كيساً ) فأخذه ، فوزعه على الناس ، ثم رمى بالكيس ، فخرج ، فأصبح إماماً معتبراً .
قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ) (السجدة:24).
ويقول سبحانه : ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (الأحزاب:39).
وقال (صلى الله عليه وسلم ) : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )
* أبو الطيب الطبري عالم شافعي ، جليل ، كان دعوباً ، ضحوكاً السن ، محباً لأهل الفضل ، بل معظم الفضل فيه ، بلغ عمره الثمانين ، فخرج مع طلابه في سفينة ، فلما قاربوا الشاطئ ، قفز من السفينة ، فأراد الطلاب أن يقفزوا فما استطاعوا ، فقالوا : كيف استطعت وأنت في الثمانين ؟
قال : هذه أعضاء حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر .
أبو الطيب هذا وضع حذاءه عند الحذاء ليصلحه ، فتأخر عليه الحذاء ، وكان أبو الطيب يمر عليه ، فكلما رآه الحذاء ، وضع الحذاء في الماء ليوهمه أنه يريد أن يصلحه ،
فقال أبو الطيب : أعطيناك الحذاء لتصلحه ، لا لتعلمه السباحة .
* قال بعض الناس لبعض العلماء : غداً نتعاتب ( أي نتحاسب ويعاتب بعضنا بعضاً ) ،
فقال العالم : لا والله ، غداً نتغافر ( أي يغفر بعضنا لبعض ) .