administrator -------------
جــــنــــســــيـــــﮯ : عــــــمــــــريــــــــﮯ : 41 مـسـاهــمـاتــيـــﮯ : 811 تصفح : المهنــة : الانــتســاب : 29/11/2011 المــوقــع : arabfuns.com
| موضوع: بــــــــــــــــــــــــــــراءة من اليأس الجمعة يونيو 29, 2012 1:54 pm | |
| السلام عليكم :
كلّ ما خلّفه الأمس وراءه بعد أن سافر إلى تلك المدن الغيبية ،كان حفنة من الذكريات.قد يجعل تشبيهي الفهم يتدحرج بجُبن نحو مفهوم القلّة ..لم تكن تلك الحفنة فعلا ثقيلة ولكن ،دسمة.ميراثٌ حقيقي لصاحبنا كان يرسل القدمين بتثاقل دافعاً جسده نحو الأمام.نحو المكان التالي الذي لم يجد في نفسه رغبة في معرفة ماهيته.كل ما يجول ضمن تواليف الخاطر كان الإبتعاد. كان الوقت حينها، شفقاُ. أحيانا تخدعنا الحواس لنتوّهم أن الهرب من وجه تجرحنا تضاريسه، من بقعة أرض التقينا على ترابها والألم.من ميقات صدمة..ممكن. كان (براء) يخال الأمر ممكناً، توهّم ذلك الشاب فاره الطول أنّ فراره الهزيل يجعل قلبه يتجمّد قضمة بعد قضمة.وقفته بجوار عمود الكهرباء التي كانت شعلته البلورية لا تزال تتنفس مرسلة ما يشبه الوميض الخافت، نفت ما خالجه من شجاعة كاذبة. وضع كفّه على معدتّه المتشنجة، جعل يتحسسّ فؤاده الذي خال لثوانٍ أنّه بخير.كما يفعل طبيبٌ ظنّ بمريضه انتشار الدّاء، كان (براء). أحسّ بأن الجزر قد ولّى وعقبه المدّ الذي يجعل كلّ شيء جافاً.. رطباً غارقاً. ربّما شعر بالخيانة.خيانة أعضاءه له أو لربّما كانت غصّة تهيأ لمقدمها كما يفعل دائّما.من يراه وقد زمّ شفتيه،أسدل جفنيه، وابتسم بسخرية سيدرك ولاشكّ أنّه وفي قرارة نفسه يعلم بأنّ ما حدث قد بقر بطن ثقته بنفسه، أنهى مرحلة حمل الآمال. "أماتزال أعزبأً؟" جاء الصوت من مكان قريب. "ماذا؟" أجاب (براء) بسؤال آخر بعد أن التفت صوب رجلٍ طاعنِ افترش خرقة قماش وتوسّد ذراعه التي حجبت جزءً كبيراً من وجهه. "لايزور هذه الزقّاق المقطوعة سواكم معشر الشباب الحزِن، ألا ترحمون شيخاً مثلي، لا أحتاج نقوداً..فقط بعض الرّاحة ؟" أردف الّرجل وهو لايزال يستر عينيه في وضعية توحي بالاستعداد للنّوم. "ولكنّي لا أنوي منحك أية نقود؟ هل تكلمّني؟" قال (براء) وهو يحوم برأسه هنا وهناك. "ستفعل، ستعطيني ما بجيبك. كلّكم تقولون نفس الكلام " أجاب الشيخ المتسوّل بثقة.ذراعه كانت لاتزل تغمر نوافذ رأسه ومعظم سحنته. لبرهة،نسي (براء) حاله واهتمّ على نحو ما بما جاد به حلق صاحب المعطف المهترئ المرتمي بفوضية على الرّصيف.انتظر أن يكلّمه ثانية ولكّنه عبثاً ترّيث فتقدّم منه سائلا : "يا عم" "ماذا تريد أيّها الأعزب؟" "هل لك أن تريني وجهك فأكلّمك؟" ردّ (براء) بصوت منزوع الغضب. " وما أنت صانع به، أخاذيذ زمن وعبوس فقر" وقبل أن يستطيع الشاب تدوين جملة ضمن فكره ويريها بلسانه من يكلّمه أكمل المتسوّل: "هناك قطعة كرثون قبالة رأسي، اجلس" كطفل مطيع فعل (براء) وقد احتارت ملكة تفكيره من هذا الذي يأمره فينصاع. قال الشيخ عندما أحسّ من الشاب الإستقرار على الأرض: "أنت الرقم خمسون" "كيف ذلك" ردّ (براء) وقد ظنّ بالشيح الجنون أو المس. "انظر إلى الحائط الذي تسند ظهرك إليه" طالع (براء) ما خلفه فرآه قد امتلأ نقوشا لأسماء بشر فسأل مستغربا: "ماهذا؟" "عزّاب، أحفظ كل اسم كان وراءه حكاية " ردّ المتسوّل بسرعة ثم أكمل بعد أن تثاءب برغبة: "أوّل اسم حُفر قبل خمس عشرة سنة، كان لمراهق يافع.كانت ليلة باردة حينما زار هذه البقعة المعزولة وقد حمل في جيب سترته يأسه" "يأسه؟" كرّر (براء) بحمق. "شفرة حلاقة كان ينوي أن يقطع بها وريد حياته الدافئ، أنقذته بصعوبة.قال بأنّه أراد الزواج لكنّ أهله سخروا من مراده وظنوّا به قلة العقل.يطلب الناس الذرية ولكنّهم يعجزون على إدارة أمور أبناءهم" "شهدت بكاء رجلٍ عظيم الجسم يوماً، كان مشهداً متناقضا" أكمل المتسوّل مغيراً الموضوع على نحو مهين فقد أحسّ (براء) في نفسه الشوق لمعرفة مصير صاحب القصّة الأولى لكنّه صمت بعد أن صارع نفسه بجهد. "ماذا عنه؟" "جلس في نفس مجلسك، قال لي بعد أن خجل من نعمة الله في جعل البشر يذرفون، أنّ أمّه أقسمت عليه أن يطلّق زوجته المحبة فاختار طاعة والدته ليلتقمه الشوق فيخّر صريع الحنين، كان فعلا قويّ الجسم " قال الشيخ جملته الأخيرة وقد حرّك رأسه بعنف جعلت ذراعه تهتز فوق وجهه. لم يأتي (براء) على حرف فأكمل الشيخ: "لن أنسى ذلك الغاضب، كهلٌ أشبعني ضرباً ليفرغ ما في قلبه من حميّة ثم قبّل رأسي ثلاثاً" "ضربك؟" "أجل، صائفة عام أذكر أنّ جرائده التي أفترشها قد حملت الكثير من أخبار الإنتحار والقتل.أوسعني ضرباً لأنّ خطيبته انفصلت عنه بعد أن نفرّتها طباعه الصعبة.لقد كانت مخطئة، كان ودوداً.سمعت أنّه تزوّج بغيرها وهو الآن سعيد" "أرجو لو يحصل معي نفس الشيء" قال (براء) بهمس. "ما حكايتك ؟" سأل الشيخ. "لا عمل، شهادة كبيرة، أحلامٌ كانت و أنسداد الدروب تلتها.ضغط أهلي وكذا الشارع بعدهم أعياني.خمسة مشاريع زواج باءت بالفشل.سدّت الدروب واشتدّت الخطوب.حكاية أولّها شبيه آخرها" "بني،هل بك علّة جسم وسقم بدن؟" "لا" قال (براء) ثم أخذ الشيخ يسأل والشاب يجيب: "هل على جسد سمعتك من خدش؟" "لا " "هل لك من الأهل أباً وأمّا ودستة إخوة تراهم كلّ يوم رؤيى العين " "أجل" "هل تحسّ بأنّ لك يداً في مآلك وما جاءك؟ " "لا" "هل عذابك ينتهي بما مسّك من نقص رادوك؟ " "أجل" "هل أنت واثق أم أنّ ما تريده سيسعدك أم ذلك ظنّك وما رأيت عليه أقرانك؟" "لا أدري" "ما ظنّك برّب الناس.ربّي وربّك؟" "الخير" "هل حرُمت الخير أم أنّ الشقاء لك مادمت لم تلمس مرادك؟" "لا أدري" قال الشيخ:" ارفع ما دثر رجلاي" ففعل (براء) ليرى ساقاي الشيخ مقطوعتان فتُزّج نفسه في زنزانة الشفقة عليه. "أمسك يدي" أضاف المتسوّل وقد رمى بيده الطليقة نحو الشاب فرفعه.أزاح الشيخ ذراعه عن وجهه ثم نظر إلى (براء) الذي انتفض لما بصُر.كان وجه صاحبه محترقاً وعيناه غائرتان..كان أعمى. "ارحل الآن" جاء صوت الشيخ قبل أن يفرغ (براء) من نسج كلمات ما تعبّر عن مواساته وحزنه.لقد عاد المتسوّل المنكوب ليرتمي أرضا ويستر ماتشوّه من ملامحه بتلك الذراع الحزينة. دسّ الشاب بيده نحو جيبه واستخرج بضع نقود كانت كلّ ما يملكه فقال الشيخ مبتسماً: "أخبرتك أنّي لا أريد نقوداً" "لكنّك ستفعل" ردّ (براء) بعد أن فهم معنى كلام الشيخ سابقاً ثم أمسك قطعة حديد وجدها بقربه ودوّن اسمه على الجدار قائلا : "اليومَ امتُحنت فوعيت،ودُرّست فاستعبت.صحيحٌ ظن بنفسه السقم و سعيد خال الحزًن والسأم.حُرمت العيش لمّا قبرت أنفاسي و نُزعت الفرحة عندما لويت فؤادي ووليّت غيري ذاتي.لعمري إنّ لليأس لمتاهات ولألوان التيه لخيالات .."
أحياناً، تتسمّر مشارعنا عند بابٍ خلناه منفذاً لغبطة،تراوح رغباتنا مقصد ولو خاب خبت دوافعنا لمد الأنفاس عشية تلك النكبة.. ولكن،، قد يسير المحمّل بالذكرى لوقفة تستثير النظرة فتغدو بصيرة ، قد يغدو مرتشف الجراح صبحا آفلاً نادماً لضياع سعي وزوال سويعاتٍ حياة قد تظلم غيرنا أضعافاً ولكن ظننا بحالنا تمام الذروة | |
|